مقالات الاعضاء
وليد فهمي يكتب : أول من كتب في علم التوثيق أجل العلوم قدراً وأعلاها إنابة وخطراً

2022-04-23 12:32:30

بقلم وليد فهمي | رئيس إتحاد موثقي مصر

علم التوثيق من أجل العلوم قدراً وأعلاها إنابة وخطراً

كان ومازال  للفقهاء المسلمين المُجتهدين دور مُهم في استنباط الأحكام الشرعية المُتعلقة بقسم المُعاملات من الفقه الإسلامي، استنبطوها من نصوص الوحي الإلهي القرآن الكريم والسُّنة النبوية المُطهرة، وفصلوها تفصيلاً؛ سعياً لتوضيح شرع الله، وحرصاً على تمييز الحلال من الحرام، وبياناً للقانون الإلهي الذي يجب أن يسود ؛ لأنه ينظم الحياة الاجتماعية للناس، وأن يكون المرجع عند التنازع، الذي لا تنقطع أسبابه ما دامت النفس الأمارة بالسوء تتجاوز حدودها في الطمع، وما دامت الغريزة دافعة أحياناً إلى المنكرات، والشهوة العارمة طاغية عند بعضهم، وعند التنازع كثيراً ما يأكل بعضهم مال بعض بالباطل، أو يزهق نفساً بغير حق، أو يعتدي على عرض.

ويعتبر أول من دون وكتب في هذا العلم الجليل (علم التوثيق) هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله وألف بشأنه كتابا يُسمى (الشروط) لذلك نلاحظ ان بعض الفقهاء المسلمين قد أطلق على علم التوثيق (علم الشروط) وكذلك الامام الجليل (هلال بن يحيى البصري) في العام 245 هـ 

لا خلاف بين فقهاء الشريعة أن توثيق العقود يدخل ضمن أعمال القضاء وكذلك أعمال الشهر العقاري حالياً لا تتنافي وعمل القضاء([1]) بل هي نظيرها لها وجزءً منها ومكملاً لها.

 ويفرق فقهاء المسلمين بين الموثق الذي عُهد إليه بتوثيق نوع محدد من العقود كموثق عقود الزواج أو الطلاق فقط، وبين الموثق ذو الولاية العامة في التوثيق، فأثبتوا الصفة القضائية للثاني دون الأول، كذلك فرقوا بين الموثق الذي يعمل بإذن القاضي ([2]) وبين الموثق صاحب الولاية العامة المباشرة دون إذن مسبق او مُعقب لاحق، فأثبتوا الصفة القضائية للثاني دون الأول.([3])

وسماها ابن خلدون ([4]): " العدالــة " وقال فيها : " .. وهي وظيفة دينية تابعة للقضاء ..."

فهي مهنة إسلامية في المقام الأول قبل ان تكون مهنة قضائية، عنصرها الأساسي وقوامها هي "العدالة" كما في القضاء لان القضاء مُرتبط شكلاً وموضوعاً بالعدل، والعدل أساس الحكم، والعدل صفة تطلق على كل عمل مُطابق للشريعة والدستور و القانون وهو ما يقتضي الاستقلال والحياد والنزاهة والأمانة والشرف ويحقق مساواة الجميع أمام القانون ويضمن ويصون الحقوق لأصحابها و يحارب الجور والظلم، و يقتضي أيضا استقلالية القائمين علية. قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس، أن تحكموا بالعدل}.([5])

فكلاً من القاضي والكاتب بالعدل (الموثق) يجب أن تتوافر بهما شروط وصفات أساسية أهمها: العدل والمساواة والعقل والنزاهة والشرف والتحقق والبحث عن البينة لإحقاق الحقوق وحفظها وحمايتها وصونها ورد المظالم وإنصاف المظلوم لأن المهمة سامية والمراد منها أسمى.

ومع العلم أن الأصل في هذه المهنة – مهنة التوثيق والتسجيل - وقبل أن تتحول وتتطور إلى وظيفة حكومية أو مهنة حرة مستقلة كما في الكثير من دول العالم، أن الأصل فيها إسلامياً وشرعياً كعمل القُضاة أنها بدون رسوم ولا يتطلب أبدا وجود مقابل مادي أو نقدي بشأنها لضمان حياد ونزاهة القائمين عليها

قال الله سبحانه في محكم آياته الكريمة:{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أهواءهم وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لنا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} صدق الله العظيم ([6])

ويتجلى العدل في حياة الأمم بأجلى صوره مرتين: مرة عند وضع القانون وتشريعه، ومرة عند تطبيقه في الخلافات والتعاقدات أي القضاء والتوثيق، وإذا كان واضع القانون في الإسلام هو الشارع الإلهي القدوس، فإن مجال القضاء والتوثيق يكون أبرز تجليات العدالة، ومن هنا لابد من الاستقامة كما أمر الله حتى تتحقق العدالة.

ومما لا شك فيه الآن في التشريعات الوضعية أن شروط شغل وظيفتي القضاء أو الكتابة بالعدل (التوثيق والتسجيل) والتي قوامهما وشرطهما العدالة أن يكون شاغليها من الحاصلين على إجازة الحقوق (ليسانس الحقوق أو الشريعة والقانون) وهذا أمر منطقي وبديهي لما يتطلبة هذا العمل القضائي والقانوني من دراسة قانونية واسعة وإلمام كامل بكافة فروع القانون والفقه الإسلامي في المعاملات وغيرها لتمكين القائمين عليهما من حفظ وصيانة وحماية الحقوق والحريات والملكيات العامة والخاصة، وهو امر ثابت بجميع دول العالم.

وزيادة على ما تقدم فإن الفقهاء المسلمين قد أثبتوا أن الشروط التي يجب توفرها في الموثق هي ذات الشروط المطلوبة فيمن يتولى القضاء، بل يرى بعضهم أنه يلزم إلمام الموثق ببعض الأمور زيادة على شروط المتولي للقضاء.([7])، ومن الثابت حتى زمن قريب أن القُضاة في مصر وإلى زمن المحاكم الشرعية كانوا هم من يتثبتون من إرادات الأفراد وبحث سلطتهم واهليتهم والاستوثاق من رضاهم، وإصدار ما يسمى "الحجج الشرعية" التي حل محلها حالياً "العقود الموثقة والمشهرة" الآن، فضلاً عن أن هذا الدور لازال يقوم به القاضي حتى الآن، وهو ثابت في نصوص قانونية منها على سبيل المثال المادة 1000 من القانون المدني توثيق عقود الحكر.

لا نستطيع ان ننكر ان اهمية عمل الموثق وتتجلى أهميته في آية الدين  الآية 282 من سورة البقرة – دستور الموثقين - وهذه الآيات المُحكمات قال عنها الشيخ العلامة والفقيه الإسلامي  أبو بكر محمد بن عبد الله (المعروف بابن العربي)([8]):- " هذه الآيات من كتاب الله عز و جل هي دستور التوثيق في المعاملات بصورة عامة، وهي تتضمن القواعد التي بُني عليها "علم التوثيق" فقد جمعت الأساليب الثلاثة في هذا ألا  وهي : التوثيق بالكتابة  ، والتوثيق بالإشهاد ، والتوثيق بالرهن، ولا يوجد طريق رابع  للتوثيق الرضائي غير هذه الطرق فإذا تمت المعاملة بين الأفراد بالبيع والشراء أو الهبة أو الوقف أو الوصية أو غيرها من المعاملات بدو ن إتباع إحدى الطرق المذكورة فإنها غير موثوقة ، وإذا حصل جحود أو نكران في التصرف غير الموثق فإنه يمكن اللجوء للقضاء للحصول على حكم قضائي بإثبات الحق على وثيقة لإثبات الحق وهذا الحكم يكون بمثابة عملية توثيق "

فمهنة التوثيق والتسجيل مهنة شريفة في التاريخ الإسلامي قال فيها ابن فرحون: "وهي صناعه جليلة شريفة وبضاعة عالية متينة تحتوي على ضبط امور الناس على القوانين الشرعية "

وقال فيها ابن بري: "كفى بعلم الوثائق شرفا وفخرا انتحال اكابر التابعين لها حيث قد كان الصحابة رضي الله عنهم يكتبونها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم "

وقال فيها الامام مالك رضى الله عنه: "لا يكتب الوثيقة بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون عليها لقوله تعالى "وليكتب بينكم كاتب بالعدل "

ومع ذلك في بداية انتشار الاسلام فقد كانت الكتابة محدودة وقليلة ولكن بعد اتساع رقعة الدولة الاسلامية وازدهار التجارة بين الحضارات وبدأت الذمم بالاختلاف نتيجة الاختلاط والتوسع في البلاد وتقدم الفتوحات الاسلامية شرقاً وغرباً ظهرت الحاجة الى تنظيم أكثر للمهنة وتحديد من يكتب للناس عقودهم ومداينتاهم وعقودهم ويكون أميناً عليها وعدلاً عليها فوجد من اهل الصلاح والاحتساب من يكتبها دون اجر ومن هؤلاء "خارجه بن ثابت"؛ و"طلحه بن عبد الله بن عوف" المسمى بطلحة الندي والذي تولى القضاء في المدينة وهو ابن اخ عبد الرحمن بن عوف

فالتوثيق مأمور به بالقرآن الكريم والحديث النبوي، قال أبو موسى الأشعري وابن عمر: "والكتب واجب إذا باع المرء بدين" وقال ابن عباس: "من ترك الإشهاد على البيع فهو عاص". وقال مجاهد: "لا تستجاب دعوة رجل باع ولم يشهد ولم يكتب" ([9])

ثم يذكر هؤلاء الفقهاء "أن صناعة التوثيق صناعة جليلة شريفة وبضاعة عالية منيفة تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم". ([10])

وقال عنه شمس الأئمة "السرخسي" ([11]): "أعلم بأن علم الشروط من أكد العلوم , وأعظمها صنعة فإن الله تعالى أمر بالكتابة في المعاملات فقال عز وجل { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه }([12])  ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالكتاب في المعاملة بينه وبين من عامله , وأمر بالكتاب فيما قلد فيه عماله من الأمانة وأمر بالكتاب في الصلح فيما بينه وبين المشركين , والناس تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا , ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعلم الشروط (علم التوثيق) فكان من آكد العلوم وفيه المنفعة من أوجه :

 أحدها: صيانة الأموال , وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها .

والثانية: قطع المُنازعة فإن الكتاب يصير حكماً بين المُتعاملين ويرجعان إليه عند المنازعة فيكون سبباً لتسكين الفتنة، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن يخرج الكتاب وتشهد الشهود عليه بذلك فيفتضح في الناس.

والثالثة:التحرز عن العقود الفاسدة، لأن المُتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب.

والرابعة: رفع الارتياب فقد يشتبه على المُتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الكتاب لا يبقى لواحد منهما ريبة , وكذلك بعد موتهما تقع الريبة لوارث كل واحد منهما بناء على ما ظهر من عادة أكثر الناس في أنهم لا يؤدون الأمانة على وجهها فعند الرجوع إلى الكتاب لا تبقى الريبة بينهم فينبغي لكل أحد أن يصرف همته إلى تعلم الشروط لعظم المنفعة فيها ولأن الله - تعالى - عظمها بقوله - جل جلاله - : { ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } فقد أضاف الله - تعالى - تعليم الشروط إلى نفسه كما أضاف تعليم القرآن إلى نفسه فقال - عز وجل - : { الرحمن علم القرآن } وأضاف تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نفسه فقال - جل جلاله - : { وعلمك ما لم تكن تعلم } وأبو حنيفة رحمه الله سبق العلماء رحمهم الله ببيان علم الشروط , وبذلك يستدل على أن مذهبه أقوى المذاهب فإنه يبعد أن يُقال : المبتدئ ببيان ما أخبر الله  تعالى أنه هو المعلم له لم يكن على غير صواب ."

قال عنها ابن فرحون ([13]): "هي صناعة جليلة وشريفة وبضاعة عالية منيفة، تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم، والاطلاع على أسرارهم وأحوالهم، وبغير هذه الصناعة لا ينال ذلك، ولا يسلك هذه المسالك".([14])

انه علم التوثيق والتسجيل ويعرفه الونشريسي ([15]): "بأنه من أجل العلوم قدراً وأعلاها إنابة وخطراً، إذ بها تُثبت الحقوق ويتميز الحر من المرقوق، ويوثق بها ولذا سميت معانيها وثاقاً"

أما الفقيه عبد السلام الهواري فيقول عن هذا العلم: "هو من أجل العلوم قدراً وأعلاها إنابة وخطراً إذ تضبط أمور الناس على القوانين الشرعية، وتحفظ دماؤهم وأموالهم على الضوابط الشرعية، وهو أقطع شيء تنبذ به دواعي الفجور، وترمى وتطمس مسالكها الذميمة وتعمى".([16])

ويصفه الإمام السرخسي: " علم الشروط ([17])من أكد العلوم وأعظمها صنعة"([18])

ثم تحول التوثيق وأصبح خطة ([19]) من خطط الدولة الاسلامية في الأندلس في وقت متقدم، فقد ذكر ابن بشكوال ([20]):- " وولي خطة الوثائق في صدر دولة المظفر بن عامر ....([21])   ويقول في ترجمته لأحمد بن عفيف (ت 420 هـ) :- " تولى عقد الوثائق لمحمد المهدي أيام توليه الملك بقرطبة ..... ([22]) ، كما أن علم الشروط (الوثائق) كان يُدرس ، وبرز فيه علماء كثيرون ، ومنهم المؤلف . يقول ابن الآبار في ترجمة محمد بن خلف بن يونس : "أخذ علم الشروط عن أبي الأصبغ عيسى بن موسى المنزلي ([23]) ..... ([24])

ويعتبر أول من دون وكتب في هذا العلم الجليل (علم التوثيق) هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله وألف بشأنه كتابا يُسمى (الشروط) لذلك نلاحظ ان بعض الفقهاء المسلمين قد أطلق على علم التوثيق (علم الشروط) وكذلك الامام الجليل (هلال بن يحيى البصري) في العام 245 هـ

ورأى أحمد مصطفى المراغي ([25]) في تفسيره أن آية الدين قاعدة من قواعد الاقتصاد في العصر الحديث فإنه قال ([26]): "وهذا قاعدة من قواعد الاقتصاد في العصر الحديث , فكل المعاملات والمعاوضات لها دفاتر خاصة تذكر فيها مواقيتها, والمحاكم تجعلها أدلة في الإثبات"

وكذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صالح قريشا في الحديبيةوكتب علي بن أبي طالب في ذلك الوثيقة المعروفة، ورغم أن الأمر بالكتب والإشهاد أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي فهو يعد اليوم من أحدث النظريات في القوانين الوضعية في المذاهب الاجتماعية الحديثة وتسمى (نظرية الإثبات(ولم تأخذ أوروبا بهذه النظرية إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي حين اشترط القانون الفرنسي وهو الذي أخذت عنه القوانين الأوروبية أن يكون الدين مكتوبا إذا زاد على مقدار معين وقد كان القرن الخامس الهجري أجل عصور التأليف في علم التوثيق إذ فيه ألفت الكتب القيمة

وقد اشتهر المالكية بهذا العلم وتميزوا فيهحتى أنه لا يذكر إلا منسوباً إليهم بشهادة المشارقة
وهو الأساس الذي خرج منه علم التوثيق ومبادئ الإثبات القانوني في العصر الحديث كنظام قانوني يُعتمد على عقود موثقة مرتبطة بالقانون الوضعي لإثبات وحفظ الحقوق .

واشار الونشريسي ([27]) : الى أهمية هذ العلم الشريف في مُفتتح كتابه وفي أول الباب الثاني ( في شرف علم التوثيق) ومما قال : " فإني لما رأيت علم التوثيق من اجل ما سطر في قرطاس ، وأنفس ما وزن في قسطاس ، وأشرف ما به الأموال ، والأعراض ، والدماء ، والفروج تستباح وتحمى ، واكبر زكاه للأعمال واقرب رُحمى ، واقطع شيء تُنبذ به دعوى الفجور وتركى وتُطمس مسالكها الذميمة وتُعمى .."

 وقال : " قال ابن مغيث : "علم الوثائق علم شريف يلجأ اليه الملوك ، والفقهاء وأهل الحرف والوقه والسواد كلهم يمشون اليه ويتحاكمون بين يديه ويرضون بقوله ويرجعون الى فعله فينزل كل كبقه منهم على مرتبتها ، ولا يخل بها عن منزلتها ... ([28])

وقال : " قال ابن برى : "كفى بعلم الوثائق شرفا وفخرا انتحال اكابر التابعين لها ، وقد كان الصحابة يكتبونها على عهد النبي (ص) ..([29])"

وقال ابن فرحون: " هي صناعه جليلة شريفة وبضاعة عالية منيفة تحتوي على ضبط امور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم والاطلاع على اسرارهم وأحوالهم ...([30])

هذا جزء من اقوال العلماء في ماهية واهمية التوثيق والأقوال فيها كثيرة وذلك لعظم شأن التوثيق في حياة الامة لمحافظته على دين المسلمين وأنفسهم وأعراضهم وأنسابهم وما لهم وما عليهم من حقوق.

وتتمثل هذه أهمية علم التوثيق في الشريعة الإسلامية فيما يلي:

  • انه استجابة لله ولرسوله (ص) حيث انزل الله -  جلا وعلا – فيه اطول ايه في كتابه العزيز " يأيها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه "([31]) وأمر الرسول (ص) بكتابه وثيقة في بيع وشراء ، وفي الصلح بينه وبين المشركين ([32]) وغير ذلك ، والاهتمام بما فيه طاعه لله – عز وجل – ولرسوله (ص) من اعظم الامور واجلها
  • ان في التوثيق اصلاحاً للعقود عند العقد ونفياً للفساد عنها فـ يبين المُوثق للمتعاقدين الصحة اذا اراد الكتابة بالعدل كما قال تعالى: " وليكتب بينكم كاتب بالعدل .."0([33])
  • وقطع المنازعة المستقبلية ودرأ الخصومة المُحتملة عند الرجوع الى تلك الوثائق التي كُتبت بالعدل، اذ ان المكتوب عليه إذا عرف تأكد الأمر عليه بوضوح الحق بشهوده لم تحدثه نفسه بالإنكار والجحود خوفاً او حياء.
  • حفظ المال الذي امر الله عز وجل بحفظه قال تعالى: ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قيما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا "
  • حصول الطمأنينة لصاحب الحق في حظ حقه وثبوته عند المنازعة.

أن التوثيق والتسجيل يمكن أصحاب الحقوق والأملاك من حقوقهم وأملاكهم ويحفظ المال لأهله ويجنب المتعاقدين من مزالق الحرام والاتفاقات المحرمة ويصون أعراض الناس ويثبت نسب الأبناء إلى أباءهم وبه يحسم الخصومات والنزاعات وتسد أبواب المنازعات.

وهذا ما أكده الدكتور جمعه محمود الزريقي حينما قال ([34]):- " لقد أكد ديننا الحنيف على أن للكتابة أهمية في حياة الأفراد والأمم وخاصة في ميدان المعاملات اليومية بمختلف أشكالها وأنواعها مدنية كانت أو غير ذلك التي تمتد بين الأفراد والجماعات والدول؛ والحكمة من الحث على الكتابة هو بمفهوم لغة القانون عدم الاطمئنان لمزاعم الأطراف وشهادة الشهود العرفية، ذلك لكون الخليقة الإنسانية معرضة للخطأ والنسيان وعدم الدقة في سرد الوقائع والمعاملات المبرمة بالإضافة إلى كون أن الناس عادة ما يكونون عرضة للمحاباة والانتقام المبالغة نتيجة افتقار الذمم وطغيان المادة . "

وكذلك قال([35]):- " لقد خلق الله الإنسان وحبب إليه غريزة المال وحب التملك إلى درجة التقديس، وعليه نشأت بين أفراد المجتمع بل الدول خلافات قد تؤدي في أغلب الأحيان إن لم نقل كلها إلى نزاعات كثيرة، فكان لزاما إيجاد قالب أو وسيلة تفرغ فيها إرادة الأطراف المتعاملة تكون وسيلة لفض النزاع أو للحيلولة دون قيامه "

وكذلك أكد ([36]):- "وبمرور الأزمنة تطورت المعاملات إلى أن وجدت الوثيقة الرسمية وأخذت الدول على كالها تنظيمها حسب ما يتماشى وعاداتها وتقاليدها وقوانينها في إطار سيادتها الوطنية "

وكذلك أكد ([37]) :-" وعليه فإن المسلمين هم السباقون في هذا الميدان على الأوروبيين وهذا إن دل على شيء إنما يدل على درجة التحضر والتمدن لديهم "

وكذلك أكد([38]):-"ما فتئ القران والسنة المطهرة التركيز على ذلك فالتوثيق من العلوم التي عرفها العرب منذ القدم، وبرعوا فيها بعد ظهور الإسلام حيث انتشرت الكتابة وزادت نسبة التعليم خاصة في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية حيث تطور النظام القضائي بتطور الدولة وانتشار الإسلام في العديد من الأمصار، وتطورت معه وظيفة التوثيق التي تعتبر من الوظائف القضائية"

انه نظام إسلامي شامل لجميع المعاملات والعقودالتي تتم بين الأفراد لحماية وحفظ حقوق الملكية العامة والخاصة وسواء تعلقت بأموال عقارية أو منقولة أو بأعراضهم بالنسبة لأحوالهم الشخصية من زواج وطلاق وتبني وخلافة ، هذا النظام يعمل على تسجيل جميع التصرفات من مبايعات ،وعقود ،وهبات ،وأوقاف ،وصدقات ، وزواج وطلاق وغيرها، وهو يعتمد على عدة وسائل مثل الكتابة والإشهاد والرهن، وحكمه الشرعي مستمد من كتاب الله وسنة الرسول الكريم عليه السلام .

حيث يحتل علم ومهنة التوثيق  والتسجيل منزلة رفيعة ومكانه كبيرة في الحياة الإنسانية والقانونية لكل الدول لأنه يعمل على حفظ الحقوق وحمايتها طبقاً للقوانين الشرعية والوضعية وبه تضبط المراكز القانونية للأشخاص وإجبارهم على إفراغ اتفاقاتهم أمام كاتب عدل (موثق رسمي) يُراعى عدم خروج هذه المُحررات عن أحكام شريعتنا الإسلامية الغراء والنظام العام والآداب ووفقا لأحكام الدستور والقانون ويحمى المجتمع من الاتفاقات والتعاقدات المريبة التي قد تضر امن وسلامه المجتمع، بما أن التوثيق والتسجيل نظام قانوني يُمكن أصحاب الحقوق والأملاك من حقوقهم وأملاكهم ويحفظ المال لأهله ويجنب المتعاقدين من مزالق الحرام والاتفاقات المحرمة ويصون أعراض الناس ويثبت نسب الأبناء إلى أباءهم وبه يحسم الخصومات والنزاعات وتسد أبواب المنازعات وهو ما يعرف بالعدالة الوقائية من خلال منع ودرأ حدوث المنازعات .

والتوثيق في اللغة: مصدر وثق، يقال وثقت الشيء توثيقاً إذا أحكمته. ([39])([40])،ومنه قوله تعالى: {فشدوا الوثاق}([41]) ،وقوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض}([42]) ، وقال تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون ِموثقا من الله لتَأْتُنَّني به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل}.([43])

وقد ذكر التوثيق في صورته العامةفي كتاب الله في مواضع منها قوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم}. ([44]) -  وقـولـه تعـالى: {ستكتب شهادتهم ويسألون}([45]) - وقوله: {ورسلنا لديهم يكتبون} ([46])

وقوله: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه وتقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}([47])

والشروط والوثائق والعقود أسماء لمسمى واحد لعلم واحد (علم التوثيق) وسمي هذا العلم علم الشروط أيضا لأنه غالبا ما يتضمن ذكر شروط بين المتعاقدين فسمي الكل بالجزء الذي يتركب منه تجوزا.

وتعريف التوثيق قانونياً :([48]) "التوثيق قانونيا هو مجموعة الإجراءات القانونية الشكلية والموضوعية التي يقوم عليها الموثق لتوثيق وتسجيل وإثبات وتحقيق وبحث وصياغة وتحرير وقيد المُحررات والعقود بكافة أنواعها وفقاً لأحكام الدستور والقانون والموثق مُلتزم ومسئول شرعاً وقانوناً وأخلاقياً ببحث الإرادة وتلقيها والتحقق من الأهلية وبحث الصفة والسلطة والمُراجعة القانونية الكاملة للعقود شكلاً موضوعاً للعقود المطلوب توثيقها ومدى مطابقتها للدستور والقانون والنظام العام والآداب."

 

 


([1]) راجع في ذلك (نظام الشهر العقاري في الشريعة الإسلامية –دراسة مقارنة مع نظام السجل العيني، إعداد/ جمعة محمود الزريقي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص82، 88).

([2])  كـ المأذون الشرعي حالياً في مصر واختصاصه بإذن سابق ولاحق من القاضي في توثيق عقود زواج وطلاق المصريين المسلمين السنة فقط لا غير وغير ذلك من اختصاص الموثق العام المصري بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق، صاحب الولاية العامة في التوثيق دون اذن سابق او لاحق وبلا معقب عليه من أياً كان .

([3])راجع في ذلك (ابن فرحون، تبصره الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ص 19 وما بعدها).

([4]) وذلك في مقدمته صـ 334 وقال عنها : "... وهي وظيفة دينية تابعة للقضاء...."

([5])(4: 58 سورة النساء)

([6])(الشورى،15)

([7])راجع في ذلك (الأحكام السلطانية، للماوردي، ص 65. الأحكام السلطانية، لأبي يعلى، ص 60. نظام الإسلام، د. وهبة الزحيلي، ص283 وما بعدها. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، للقلقشندي، ص 274، ج10. جمعة الزريقي، السابق، ص 91 وما بعدها).

([8])وذلك في مؤلفة الإسلامي " أحكام القران " القسم الأول، الطبعة الثانية، تحقيق : الأستاذ /علي محمد البجاوي - مصر 1967 صفحة رقم 258

([9])انظر في هذا: وثائق وفقه للفقيه ابن إسحاق مخطوط م.ع. بتطوان رقم : 666 ـ ووثائق الغرناطي ص 3 ط : فاس . والمنهج الفائق للونشريسي ص : 5 ، طبعة حجرية . واللائق لمعلم الوثائق لابن عرضون ج 1 ص : 3 ط : تطوان

([10])(المرجع السابق، ص 235، ج1)

([11])  الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله

([12]) الآية 282 من سورة البقرة

([13])ابن فرحون اليعمري (719-799هـ، 1319- 1396م). إبراهيم بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون، من أهل المدينة. فقيه من فقهاء المالكية المعدودين. ولد بها وعاش ومات فيها. تولى قضاء المدينة، وكان عالمًا بالفقه وأصوله والفرائض والقضاء.

عرف بحسن التصنيف. من كتبه: تبصرة الحكام في أصول الأقضية؛ مناهج الحكام؛ الديباج المذهب في أعيان المذهب؛ تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات

([14])(الفقيه الإسلامي /أبو عبد الله محمد ابن فرحون: تبصره الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416هـ/1995م ، ج 1، ص: 200)

([15])(الشيخ العلامة/أبو العباس أحمد بن يحيي بن عبد الواحد الونشريسي :في مؤلفة " المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق"، دراسة وتحقيق لطيفة الحسني، طبعة وزارة الأوقاف الرباط المغرب 1418 هـ /1997م ، ص: 209)

([16])(شرح عبد السلام الهواري لوثائق  الفقيه بناني: مطبعة الشريف، دار الكتب العربية تونس 1949 م . الصفحة الأولى)

([17]) علم التوثيق

([18])(العلامة الإمام /شمس الدين السرخسي: كتاب المبسوط، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت، لبنان، ج: 30 ص: 167.)

([19])  وزارة قائمة بذاتها

([20])( ت 578 هـ ) في كتابة الصلة في ترجمة الحسين بن حي التجيبي (ت 401 هـ)

([21]) الصله لابن بشكوال 1/141 .

([22]) المصدر السابق 1/38

([23]) التكمله لابن الأبار 2/537 .

([24]) معيد المنعم ومبيد النقم للسبكي صـ 63-64 ، التراتيب للكتاني 1/272 – 277 ، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي – السلطة القضائية للأستاذ ظافر القاسمي صـ 351-371 ، 427-435 ، مقال : تاريخ الشهود للأستاذ بدري محمد 

([25])أحمد بن مصطفى المراغي: مفسر مصري، من العلماء. تخرج بدار العلوم سنة 1909 ثم كان مدرس الشريعة الإسلامية بها. وولي نظارة بعض المدارس. وعين أستاذا للعربية والشريعة الإسلامية بكلية غوردون بالخرطوم. وتوفي بالقاهرة. له كتب، منها (الحسبة في الإسلام - ط) رسالة، و (الوجيز في أصول الفقه - ط) مجلدان، و (تفسير المراغي - ط) ثمانية مجلدات، و (علوم البلاغة - ط)

([26])( 3/71 /طبعة الحلبي)

([27]) وذلك في : المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق صـ 15 ، تألف أبي العباس أحمد بن يحيي الونشريسي (ت 914 هـ) دراسة وتحقيق عبد الرحمن بن محمود بن عبد الرحمن الأطرم – دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث – دبي - الأمارات

([28]) ص 31من المرجع السابق

([29]) ص 32 من المرجع السابق

([30]) ص33من المرجع السابق

([31]) سورة البقرة – الآية رقم 282

([32]) ص32

([33]) سورة البقرة – الآية رقم 282

([34]) وذلك في مؤلفة القانوني والإسلامي " نظام الشهر العقاري في الشريعة الإسلامية "، طبعة دار الآفاق بيروت 1988 ، ص:21

([35])في ذات المرجع السابق بــ صـ 15

([36]) في ذات المرجع السابق بــ صـ 42

([37]) في ذات المرجع السابق بــ صـ 15

([38])في ذات المرجع السابق بــ صـ 33

([39]) وله معان أخرى هي: العهد، والائتمان والشد. ويقال: واثق الرجل الرجل إذا عاهده، ووثق ويثق به: إذا ائتمنه، ووثقت الشيء توثيقا وأوثقه في الوثاق أي شده في الرباط - القاموس المحيط ، مادة (وثق) صـ 1197 ، لسان العرب ، مادة (وثق) 10/371 .

([40])والتوثيق في اللغة له معنيان: -  الاول :  الإحكام بمعنى أحكم الأمر. ،، والثاني : الشد والربط ، ومنه قوله تعالى:?فشدوا الوثاق?

([41]) الآية - 4- من سورة محمد .

([42]) الآية – 27 – من سورة البقرة .

([43]) الآية – 66 – من سورة يوسف

([44]) الآية – 12- من سورة يس .

([45]) الآية – 19 –من سورة الزخرف .

([46]) الآية – 80 – من سورة الزخرف .

([47]) الآية – 49- من سورة الكهف .

([48]) وليد فهمي – رئيس إتحاد موثقي مصر – منشور على الموقع الرسمي للاتحاد. وذلك في ضوء المواد القانونية ارقام ( 3 ، 4 ، 5 ، 6 ) من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 ، التي بينت وحددت سلطات واختصاصات الموثقين من الناحية الموضوعية والاجرائية .

أضف تعليقك